وجهة نظر /
أ.د / إدريس بولكعيبات
بناة الجامعات في الشرق ( 4)
في صيف عام ألفين ألقيت البذرة في جامعة منتوري لخلق قسم جديد و هو قسم علوم الاعلام و الاتصال . جاءت هذه الخطوة متأخرة جدا ؛ حيث لا أحد كان متحمسا لهذا الاختصاص خوفا على مستقبل العلوم الاجتماعية و الانسانية . كان ينظر الى هذا الاحتصاص كمنافس واعد باستقطاب الطلبة.
و كم كانت هذه النظرة قاصرة للغاية لدى أساتذة باحثين . فالعلوم لا يتم الحفاظ عليها بمحاصرة العلوم الأخرى و التضييق عليها بل بتطويرها من الداخل و ضبط برامجها بما يلبي حاجات المجتمع المتنامية . تلك هي النظرة التي كان يجب أن تكون . و بسبب سيطرة هذه الذهنيات التي أدت الى التراجع و الجمود تقهقرت جامعة قسنطينة و خطفت منها الأضواء و المبادرة جامعات حديثة الولادة هنا و هناك .
و زاد الطين بلة ، تقسيم جامعة قسنطينة الى ثلاث . كان الهدف المعلن هو إعطاء فرصة لتسيير أفضل و حتى تحافظ قسنطينة على سمعتها التاريخية ؛ حيث لم يبق من تسميتها بمدينة العلم و العلماء سوى سراب تداعبه في السادس عشر أفريل من كل عام .
و الحقيقة هناك ثلاثة بناة للجامعات في الشرق الجزائري لابد من انصافهم عند الحديث عن تطوير الجامعة الجزائرية . و هم دون مجاملة الأستاذ " عبد الحميد جكون " الذي يستحق لقب باني جامعات قسنطينة ، ففي عهده شهدت تطويرا و توسيعا غير مسبوق من حيث المباني و الاختصاصات . و يعود له الفضل في فتح قسم علوم الاعلام و الاتصال . و سأعود للحديث بالتفصيل لهذه النقطة التي لا يعلم تفاصيلها الا عددا محدودا من المسؤولين .
باني الجامعات الثاني في الشرق هو الأستاذ " بلقاسم سلاطنية " الذي نجح في تحويل مركز جامعي بائس في بسكرة الى جامعة تغطي مساحة واسعة من الاختصاصات و المدينة الجامعية التي شيدت في منطقة " الشتمة " الصحراوية تشهد على وجود إرادة للعمل و الابتكار قلما تجود بها البلاد في هذه الأيام . الزائر لا بد و أن يندهش للقدرة على التنظيم و كأنك في جامعة أوروبية . معهد تعليم اللغات المكثفة و الاصدارات تشعرك بأنك خارج المكان .
الباني الثالث هو الأستاذ " أحمد بوراس " الذي برز هو الآخر من جامعة أم البواقي . تسلم مقاليدها و هي صغيرة و في أم البواقي المحافظة . غير أن حسن التدبير و الادارة الرشيدة و التفاني حولها الى جامعة بكل المعايير خلال عشر سنوات . و قد استقطبت الكثير من الاختصاصات و تحولت الى بؤرة للتأثير في محيط تكبله التقاليد .
عكس ما هو الحال في قسنطينة التي مالت فيه الجامعات على كثرتها الى الانعزال و المزيد من المتاعب ، فحيث توجد مقرات لا يوجد طلبة و حيث يوجد طلبة لا توجد مقرات . كان ذلك التقسيم الأسوأ في تاريخ الجزائر .
و لهذا لم يكن للكثرة من معنى سوى المزيد من الضعف و الارهاق . ذلك هو حصاد قصر النظر عند بعض المسؤولين الذين كانوا وراء قرار عاطفي دفع نحو أفق غير معلوم و قطع بين قسنطينة و الريادة ما بقي من جسور .
في القادم سأتحدث عن الظروف التي أدت الى خلق قسم علوم الاعلام و الاتصال و من كان وراء ذلك بشيء من التفصيل . و سيكون ذلك بكل أمانة .
فللحديث بقية .....الى اللقاء